أنت مدعو للتجول معي في مدونة عمارة الأرض للذهاب في المكان من شمال الأرض لجنوبها ومن شرقها لغربها وفي الزمان من عصور سحيقة في القدم مرورا بعصور الفراعنة وشعب المايا و الصينيين و اليونان و الرومان ولعصور الخلافة الإسلامية ومن عصور النهضة الي العصر الحديث لترى طرائف غرائب و من أصغر بيت في العالم إلى أكبر ما أبدعه الانسان ومن منزل يسكنه الإنسان إلى أعلي ناطحة سحاب في العالم لنغوص في عمق النفس البشرية لنري الرعب أو الجنون أو بيتا يحاكي الطبيعة كالصدف أو البيضة أويشبه حيوان أو تحت الأرض.

190 - معبد جوبيتر ببعلبك

معبد جوبيتر لم يبق من المعبد سوى حائطين بُنيا بحجارة ضخمة مماثلة لحجارة بعلبك وسُقِفا فيما بعد وحُوِّلا إلى كنيسة ومن ثمّ إلى مدرسة وحجارة الحائطين غير متوازية في الحجم تقوم على أربعة مداميك وعلى بعد سبعة أمتار حجرٌ قديم عليه نقش روماني وهو الآن مهمل موضوع على جانب الطريق قرب كنيسة سيدة البرج أما باقي حجارة المعبد والأعمدة فهي مردومة تحت التراب أما القسم الذي بقي ظاهراً على وجه الأرض فقد استعمل السكان حجارته كمادةٍ لبناء منازلهم القريبة من المكان وكذلك اليعاقبة الذين بنوا ديراً لهم مكان المعبد وفي حدود القرن العاشر ميلادياً والذي أصبح فيما بعد مركزاً أسقفياً حتى القرن السادس عشر كما يذكر القاصد الرسولي "ليوناردي" في رحلته إلى المنطقة فيقول "منذ القرن الثامن كانت بدعة اليعاقبة قدّ عمت سهل البقاع وأصبحت مدينة بعلبك مقرّ أسقفيتهم لهذه المنطقة ولكن المقام المفضّل لهؤلاء الأساقفة كان الدير الكبير المعروف باسم دير الأحمر وفي القرن السادس عشر رعى هذا الدير الأسقف يسوع آخر الأساقفة اليعقوبيين في هذه المنطقة" وممّا لا شكّ فيه أنّ آثار المعبد الباقية في شرقي البلدة تعود إلى هيكلٍ أقيم إكراماً للإله جوبيتر كبير آلهة الرومان والدليل على ذلك براهين عدّة إنّ مدخل الهيكل موجّه ناحية الشرق لكي تدخل أشعةّ الشمس عند شروقها وتضيء قدس الأقداس في الداخل وتأكيداً من قبل عالم الآثار جورج تايلور إذ يقول في كتابه أنّ الهيكل مكرّس بدون شكّ للإله جوبيتر الهيليوبولي والكتابة الرومانية المحفورة على الصخرة القريبة من الآثار وهي تؤكّد بشكلٍ واضح أن المعبد كان مكرّساً للإله جوبيتر الهيليوبولي (الكتابة الرومانية) وكما نلاحظ أن الجملة ناقصة فنهاية الجملة مهمّشة لأنّ الحجر مكسور بعد حرف I وبقية الحجر غير موجودة فربما استعملت في بناءٍ ما أما معنى هذه الكتابة فقد أخذه المؤرخ عصام كرم عن تفسير الكتابات المماثلة التي وُجدت في هيكل جوبيتر في بعلبك والتي قامت البعثة الألمانية التي أرسلها الملك غليوم الثاني إمبراطور ألمانيا بعد زيارته لآثار بعلبك في العاشر من شهر تشرين الثاني سنة 1898 وقد قامت بالدراسات منذ أيلول سنة 1900 حتّى شهر آذار من سنة 1904 وقد ذكر المؤرّخ ميخائيل موسى ألوف البعلبكي في كتابه "تاريخ بعلبك" بأن الإمبراطور سبتيموس سفيروس (193-211م) وابنه كركلا (211-217م) قد ضربا مسكوكات في بعلبك عليها صورة هيكل وأخرى هيكلين تحيط بها العبارة المعتادة المقدمة لجوبيتر الهيليوبولي"Col, Hel, J.O.M.H." أما ترجمة الكتابة فهي التالية حسب ما جاء في ترجمة البعثة الألمانية J (Jupiter), O (Optimus), M (Maximus), H (Heliopolitanus) et (ET) FANIE (Lieu consacré) إلى جوبيتر الكبير العظيم الهيليوبولي والمكان المقدّس ....إذاً يمكننا أن نستنتج أن المعبد هو لجوبيترالهيليوبولي وربّما يعود بناؤه إلى الإمبراطور كركلاّ (211-217م) إذ بعد ارتقائه عرش الإمبراطورية أكثَرَ من أبنية المعابد لجوبيتر وذلك تكفيراً عمّا اقترفه من الجناية بحق أخيه "جيتا" ممّا يقوله المؤرخون أن الرومان بنوا هياكلهم في أعالي الجبال وقرب منابع المياه وفي المناطق الطبيعية الخلاّبة وفي ظلال غابات السنديان المقدّسة حيث كانوا يقدّمون البخور والذبائح للآلهة والسؤال هنا هو لماذا بنى الرومان هذا المعبد في هذه المنطقة الخالية إلاّ من الوحوش الضارية والمفتقرة إلى المياه بينما الجوار تغمره المياه من كلّ جانب والجواب البسيط هو أن غابات السنديان والملول التي كانت تغطّي المنطقة ابتداءً من السهل حتى أعالي الجبال كانت غابات مقدّسة ولا غرو أن الرومان كما بنوا الهياكل عند أقدام السلسلة الشرقية (بعلبك) كذلك بنوا المعابد عند أقدام السلسلة الغربية (قصر البنات في حرف شليفا ومعبد جوبيتر في دير الأحمر) أما اليوم وكما ذكرنا فالهيكل آثار محطّمة لا تزيد على كمية من الحجارة الضخمة الباقية ومن الصعب جداً إعادة تصوير بناء الهيكل وقد وضع المؤرّخ عصام كرم بمؤازرة الأب موريس تالون اليسوعي رسم الهيكل بالمقارنة مع الهياكل التي أُقيمت للإله جوبيتر في منطقة البقاع وكان يقوم مقام كنيسة سيدة البرج كلمة برج يبدو أنّها أخذت مكان كلمة معبد إذ أنّ العرب بعد احتلالهم لمنطقة البقاع على يد أبي عبيدة بن الجرّاح سنة 636م حوّلوا المعبد إلى برج أو قلعة حربية ومن هنا انتقل الإسم من معبد إلى برج والكنيسة إلى اليوم تقوم أساساتها على صفٍّ من الحجارة الرومانية الضخمة مساحته لم تكن تزيد على الألفي متر مربّع شكله مستطيل يحدّه من ناحية الجنوب بئر يسمّى اليوم بئر الجماجم لكثرة ما دُفن فيه من أموات وبئر آخر من الجهة الشمالية ويسمّى بئر الخرزة لوجود خرزة من حجر على فوهته كانت مياهه تستعمل لسقي الطرش إنّما للأسف لم يعد موجوداً اليوم أما من الناحية الغربية فيقوم إلى اليوم مقلع أُخذت منه الحجارة لبناء المعبد ولا تزال آثاره ترى بوضوح وقد أُقيمت فوقه أساسات مدرسة راهبات العائلة المقدّسة المارونيات أما في الوسط وباتجاه الشرق فكان الهيكل المذكور مدخله يرتكز على ستّة أعمدة كما في معابد جوبيتر الكبير مثلاً في بعلبك كانت تقوم على عشرة أعمدة والمعابد الثانوية على ستة أعمدة يمتدّ بعدها الهيكل في اتجاه شرقي غربي لكي تدخل أشعة الشمس عند شروقها وتضيء قدس الأقداس وبُني هذا المعبد على مُرتفع طبيعي مكان قسم من المقلع بعد أن فُرِّغ من الحجارة التي استعملت في بنائه واليوم ما زالت أساساته ظاهرة على أرض صخرية إذ أنشئت عليها كنيسة سيدة البرج وأمام المعبد تنحدر الأرض حيث "دكة" على مستوى مدخل المعبد وذلك لتقدمة الذبائح عليها وحيث كان يجتمع الشعب والكهنة لتقدمة القرابين وبما أن المنطقة تفتقر إلى المياه فقد نحتَ الرومان بئرين واحداً من ناحية الشمال وآخر من ناحية الجنوب ولا تزال آثارهم إلى اليوم ويبدو أنّ الدكّة كان يصعد إليها بواسطة درج حجري زالت آثاره وعلى مدخل المعبد كانت قنطرة على عمودين وعلى عتبتها الحجر الذي نُقشت عليه كتابة تقدمة الهيكل لجوبيتر وما زالت حيث وقعت بسبب خراب الهيكل إمّا على يد المسيحيين وإمّا بسبب الزلازل ومعبد جوبيتر يفترض في حجارة جدرانه أن تكون منحوتة ومصقولة كما يبدو ذلك من خلال الحجارة التي هي في أساس كنيسة سيدة البرج أما سطحه فلربما كان صخرياً على شكل هرمي لتصريف مياه المطر وقد اعتمدنا في ذلك حسب ما جاء على لسان البعثة الألمانية في وصف هيكل جوبيتر بعلبك من أنّ بناء الهيكل في دير الأحمر قد تمَّ في الزمن نفسه الذي تمّ فيه بناء هيكل جوبيتر بعلبك وكان الهيكل وسط غابات كثيفة من السنديان والملول لذا انتقى الرومان مرتفعاً صغيراً قرب السهل وبين الأشجار كي يظلّ كاشفاً على مشرق الشمس وسهل البقاع وعلى مدينة بعلبك الماثلة أمامه في ناحية الجنوب وعلى قصر البنات الواقع على تلّة في الجهة الجنوبية الغربية والهياكل في بعلبك وشليفا ودير الأحمر هي أشبه بمثلث يربط سهل البقاع من الشرق إلى الغرب وهو الممرّ الوحيد بين طريق حمص عبر البقاع الجنوبي .